الشيخ الأُحيدب وجداننابعدكم عدمُ مقال للدكتور عبدالله السهلي

[الحدباني]

يشح المداد وتتضأل الكلمات وتضطرب الأحرف عند فراق المحبين وتأبين الفضلاء , فاعذروني معاشر القراء فماذا قد يخط بناني في عزاء فقيد عائلة الأحيدب الشيخ العابد محمد السعد ؟ وماذا عساي أن أعزي محبيه فيه ؟

الشيخ محمد السعد تتراء لي الآن قامته الشامخة في ذهابه ومجيئه إلى مسجد العبيكان بحي شبرا وصوته المتهدج المفعم بعاطفة الأب الحنون للجميع , عرفته وأبنائه البررة منذ ما يقارب الثمانية عشر عاماً حيث كان يضمنا حيٌ واحدٌ ومسجدٌ واحدٌ و وشائج محبة وصلة قلَّ مثيلها في زماننا هذا , ترى الشيخ محمد السعد فترى التواضع والأنس والمحبة - ويعلم الله - أني لم أرى في حياتي أعبد منه , بل إن حياته كانت المسجد , صلاة ً و تلاوةً ونافلةً وكلمات وعظ وإرشاد , كنت أرمقه بُعيد صلاة الفجر وهو ماكثٌ في مصلاه يذكر أوراده ثم يتلو القرآن حتى تطلع الشمس فيصلي ما شاء الله أن يصلي قبل خروجه من المسجد .

وقد كنت أعجب عند زيارته من لطفه ودماثة خُلقه وبر أبنائه به ، لقد كانوا كالفهود حوله يتبادرون أمره ونهيه ، وقد كانوا حريصين على مشاركته إفطار الصائم يومي الاثنين والخميس لا يكادون يتغيبون عنها.

لقد أضفى محمد السعد –رحمه الله – دفأً على علاقاتنا الاجتماعية في ذلك الحي قل أن ترى لها مثيل في واقعنا اليوم! لم نكن جيراناً بل كنا وكانت جماعة المسجد كنا عائلةً واحدة ضمنا في الله الحب والمودة والتقدير على اختلاف مناطقنا فهذا من الحوطة وذاك من سدير والآخر من الوشم لكنه الإسلام والديانة قد ذوبتنا وصهرتنا جميعاً في شخصية محمد السعد .

ثم لما اضطرتني منعطفات الحياة إلى الانتقال للسكن في شمال الرياض كنت كصغيرٍ اقتلعوه من حضن أمه ، أترونه يصبر ويهدأ باله ، فطفقت أستصرخ الشعر واستجدي القريحة التي جادت عليّ ببيتين يتيمين

توقفت أستجدي الطلول لعلها

تدافعُ عن الهمِ والهمُ جائحُ

فيالهف نفسي كيف أنسى أحبتي !

وأطيافهم ما بين غادٍ ورائحُ

وما زال الشوق يعمل في صاحبكم رغم رفاهية الشمال – رفاهيتهم طبعاً – المتشبعة بالمادية فكنت كالغريب بينهم

لا الأرض أرضي ولا الجيران جيراني

ولا الغمام الذي في الجو غيماتي

عذراً قرائي مالي تحدثت عن نفسي والمقال عن محمد السعد ، لقد كان رحمه الله إسلاماً يمشي على الأرض تراه فترى القدوة التي لا تملك إلا أن تزدري فيها عملك وتوبخ فيها نفسك على تعلقها بالدنيا وقصورها في عمل آخرتها .

لقد كان رحمه الله قدوةٌ في زمنٍ عزت فيه القدوات ، زمنٍ رأينا أهل الصلاح والدعاة يتنافسون على الملذات والقصور الفارهات ولم يبق من النظرية سوى الفتات !

ثم بعد حياة حافلة بالطاعة والإيمان يشاء الله عز وجل أن يذهب الشيخ الأحيدب رحمه الله مع قرابة له إلى مكة لأداء العمرة ثم ينطلق بعدها إلى المدينة إذ كان القدر المحتوم إثر حادث سير وهو يصلي النافلة على السيارة ، لقد مات رحمه الله وهو في عبادة وبين عبادتين عظيمتين ، لقد مات رحمه في مأرز الإيمان وفي الحديث " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها "

صبراً آل الأحيدب فإن مصابكم مصابنا جميعاً وإن عزائنا وعزائكم حسن خاتمته رحمه الله ثم كثرة المصلين والمعزين والمحبين – والناس شهود الله في أرضه – لقد كان مشهد الصلاة والدفن مشهداً مهيباً ، لقد وارى ثرى مقبرة النسيم أعضاءً وأعظماً طالما سجدت وسعت في مرضاته .

يامن يعز علينا أن نفارقهم وجدانا كل شيء بعدكم عدم

اللهم اغفر لعبدك محمد السعد الأحيدب وأرفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يارب العالمين ، وافسح له في قبره ونور له فيه اللهم اغفر له وارحمه ، وأكرم نُزُله ووسع مُدخلهُ واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الذنوب و الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس .

خاطرة :
أهاجك الوجد أم شاقتك آثار
كانت مغاني نعم الأهل والدار
وما لعينك تبكي حرقة و أسى
وما لقلبك قد ضجت به النار
على الأحبة تبكي أم على طلل
لم يبق فيه أحباء وسمار
بالله يا(أخوتي)لا تهلكوا جزعا
على أبيكم طريق الموت أقدار
عشنا زمانا سويا من مودتنا
فكم يؤرق بعد العز أدبار (السباعي)


http://www.lojainiat.com/index.cfm?do=c ... ntid=33664

[أبو خالد]